الصفحة الرئيسية

Thursday, October 27, 2011

الي من يهمه الامر .. طفله ليبية بين الكنيسة النمساوية ومراكز اللجوء النمساوي‏



وصلتني هذه الرسالة من صديق عزيز ..يحكي فيها عن معاناته لقد كنت شاهداً على بدايتها عندما تصادف وجودي في نفس المستشفى العام الماضي و أنني أشهد أمام الله على صدق فحواها. ولقد طلب مني نشرها لعل من لديهم بقايا ذمة أو نخوة ممن يتولون المناصب و أصحاب القرار أن يساعدوا طفلة ليبية في عمر الزهور في محنتها ومحنة أهلها
الرسالة:
تعاني الطفلة رهف المقطوف (7 سنوات) من مرض غريب منذ 13 مايو 2010 استدعى ان تأتي لإجله إلى النمسا ولقد تقطعت بها السبل في هذا البلد من غير أي ضمانات من ناحية الـتأمين الصحي و لا المال لكي تستطيع العلاج والعيش والرعاية كونها طفلة قاصر في ربيع عمرها السابع و سار الحال بها لدرجة أنها صارت قضيتها وملفها مثل كرة بين الكنائس النمسوية ومراكز اللجوء والمستشفى و القائمين على السفارة الليبية في فيينا التي رفضت أن تضم ملف الطفلة رهف للعلاج و رفضت أن تعطيها مستند رسمي يثبت هوايتها لكي تحصل على إقامة في البلد لحين إستكمال العلاج  و هي لاتستطيع أن تغادر البلد بأمر من الطبيب المتابع لحالتها لخطورة وضعها الصحي، فسفارتنا مشغولة بالتسلق وضم المتسلقين و الجري على الكراسي وهي لاتزال في حالتها وشخصيات ممثليها بدون تغيير و رفضت استقبال الطفلة أو رعايتها أهل الطفلة من مدينة الزاوية الباسلة وممن قاتلوا في شوراع الزاوية وزقاقها وميادين الزاوية وضواحيها تشهد لهم بذلك لقد كنت قد تقدمت بطلب في السنة الماضية لحكومة الطاغي.
بكافة إدراتها ووزراتها وحفيت من كثرة ما طرقت من الأبواب ولم أترك شخصية ولا مكتب إلا وخاطبته وحتى لمكتب الخاروبي وغيره من الشخصيات لعلاج إبنتي ولكنهم عاملوني بكل إستحقار وكأنني ليبي من درجة ثالثة و لقد إطلع البعض على قصتي عندما نشرتها في الصحف منذ عام ونيف.
اليوم و بعد إنتصار ثورتنا المجيدة ضد الظلم والبهتان لم يتغير شيء فلقد تم إجراء 13 عملية للطفلة رهف ورغم كل هذا فسفارتنا الليبية على حالها قبل الثورة فالبرغم ان سفارتنا رفعت علم الاسقلال وعلم الثورة إلا أن عقلية ماقبل لثورة لاتزال كماهي في تعاملها مع الليبين وفي ظنهم أنهم بمجرد رفع العلم قد فعلوا الكثير وهم من كانوا يحملون أكياس التسوق لصفية وعائشة وزوجة عبد الله السنوسي وأبنائه في الاسبوع الاول من الثورة مقبلين أياديهم و مقدمين فروض الطاعة والتبجيل لسادتهم


عليه أتوجه اليوم بهذ النداء إلى المجلس الانتقالي والمجلس التنفيدي ..ووزراة الصحة ووزراة الخارجية وإلى جميع منظمات المجتمع المدني:
ابنتي تضيع مني وأنا عاجز عن فعل أي شيء لها .. . لكوني ليبي من الدرجة الثالثة ..في ليبيا الحرة وابنتي كانها مولودة في جيبوتي وليست ليبية .. …وهل يعقل أن يتم ضم ..طلبة على حساب الدولة الليبية ..لانهم من الدرجة الاولى ..ولايتم ضم ابنتي للعلاج …هل منكم من يستطيع أن يجيبني لماذا هذا الاستهتار ..والاستهتار بأرواح البشر.
والحقارة في التعامل..وهل كتب علينا ..ان نتحمل نذالة بعض من البشر ..ونحن نتكلم عن حق طفلة في العيش ..والهوية لقد قاتلنا في الزاوية ..قتال الفرسان ..يوم 18 فبراير ..ونكل بنا ثم عاودنا الكرا ..في ابريل بالمطرد العصية …وانتصرنا في أغسطس وحررنا مدينتنا ..وكان ابني من بين المقاتلين ..ودخل مع إخوانه الثوار الى طرابلس يوم عشرين ..وأخته ضائعة مابين الكنيسة النمساوية ومراكز اللجوء ..وقسوة المرض ..والغربة بعيدة عن أمها من سنة ونصف ..وذنبها انها ليبية ابنة مواطن ليبي ..وليست من
VIP ال
والد الطفلة رهف المقطوف



بعض التوضيح مع ارفاقها مع المقال الي في النت والصور

اتت الطفله رهف المقطوف الي النمسا يوم 13-5- 2010  هي ووالدها  وقاموا   بالكشف في المستشفي العام في العاصمه النمساويه  فيينا  عند الدكتور 
prof.DDr.Wolfgang Bigenzahn0043 1 40400 3317
واكتشف انها تعاني من مرض نادر جدا  وهو التصاق الاحبال الصوتيه بالاضافه  الي تكون ماده بين الاحبال الصوتيه  ومدخل القصبه الهوائيه 
تودي ال تضييق التنفس وتودي الا الاختناق 
وتكلفه العلاج كبيره جدا  وهي  1123 يورو في الليله  في المستشفي  من غير الاتفاق الجانبي مع الدكتور والادويه  ووو 
دهبنا الي السفاره الليبيه   وطلبنا مساعده  وقدمنا كل  الاوراق والفواتير  غير ان السفير رفض استقبالنا او الحديث معنا  
ونائب السفير  قابلنا باستحقار   
فرج والدها الي ليبيا   بعدها بشهر للسعي بين الوزرات (الامانات )  والي الشخصيات  من الخروبي الي الخولدي الي الحجازي ووو ولم ييهتموا وكان يطرد  من هولاء 
فكتب مقال في المنار وستجدوه  في القوقل  تحت عنوان --- طفله ليبيه بين الكنيسه النمساويه ومراكز اللجو النمساوي -- في 2010
فتكالب في والد الطفله  الامن الخارجي والامن الداخلي  ووو وتحقيق وراء تحقيق   وتهديد  في النمسا  وانهم سيبهدلوا اهلي الا لم اسكت 

في هده الاتناء كانت الكنيسه النمساويه واجهزه المجتمع المدني النمساوي تساعدنا في اجراء العمليات  وبعض الشباب  اصحاب الخير من بريطانيا بمساعدتنا ايضا  واجرت رهف ما يقارب 12 عمليه جراحيه   وتمكن الدكتور من فصل الاحبال الصوتيه وعلاجهما الان ان الماده مازالت تنموا وتهدد حياتها وليس لها علاج الي الان .
والسفاره كما هي   اطررت الي  ان اضع رهف في مدرسه نمساويه   تدرس مع ان توجد مدرسه ليبيه    لا استطيع دفع التكاليف  والسفاره   لا تريد المساعده

الان بعد التحرير  تقدمت بطلب الي  السفاره  ونفس التصرف  ونفس الاحتقار     وقام والد الطفله بعد ان كتبت المقال   الجديد   عن رهف بالاتصال بالسفير وقام موساومته علي ان يفند كل الكلام المكتب   وسوف يعمل جهده في المساعده 
او ان يكتب ان وزاره الصحه هي المسئوله وليس السفاره  
وعندما واجه بان هناك طلبه قاموا بظمهم  ولم يظموا ابنته للعلاج  اغلق اللاتصال


الي كل من يريد المساعده      وايصالها الي المسئوليين  اصحاب القرار 
او المجتمع المدني      
ارجو الاتصل بي : 

عمر أحوينش – نيويورك
0014143022354

انا  مستعد  لكيي امدكم بكل الوثائق التي تثبت دلك









Tuesday, October 25, 2011

حقوق الأسرى في الإسلام


تشتعل الحروب بين البشر، فينتج عنها القتلى والأسرى فتختلف معاملة الأسرى من عصر إلى آخر، اشتركت الحضارات السابقة على قتل الأسرى، وجعلوهم عرضة للتعذيب والإيذاء والاضطهاد، وكانوا يعدلون عن فكرة القتل إلى استرقاقهم، واستهانوهم في الأعمال الشاقَّة الصعبة. أما اليهود فقاموا بتسخير الأسرى إن هم سَلَّموا بلادَهم بدون حرب، وإذا قاوموهم كان مصيرهم القتل، ولم تعرف الأمم قانونًا لمعاملة الأسرى قبل الإسلام؛ الذي وضع شروطًا لمن يُؤسر؛ فلا يقع في الأسر إلا المحارب، وقد وضع فقهاء الإسلام أوصافًا لمن يجوز أسره، وشروطًا لوقوع الأَسْرِ.
وللإسلام نظم وقوانين تحمي الأسير، وقد شرع الله U الأَسْرَ فقال في كتابه: "حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[1]r أصحابه بحُسن معاملتهم فقال: "اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا"[3]r أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: "لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا". كما نهى عن تعذيبهم وامتهانهم، فقد رأى "، وحرص الإسلام على الإحسان إليهم، فقال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[2]"، وأوصى النبي[4]. ولهم كذلك حق في الكساء والحرية الدينية.
          أما مصـير الأســرى فهو المنّ، أو الفداء، وقد ثبت أنَّ النبي r منَّ على بعض الأسرى بإطلاقهم وفادى بعض أسرى بدر بالأموال وغيرها. أو الاسترقاق ولا يكون ذلك إلا بأمر ولي الأمر.
أما الأسير المسلم: فقد اتَّفق الفقهاء على حرمة قَتْلِ مُدْبِرِهم وجريحهم، وأنه لا يغنم لهم مال، ولا تُسْبَى لهم ذرِّيَّة ومَنْ قُتِلَ منهم غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه.
          لماذا لا تنتقم من أعدائك؟! فقد قال صلاح الدين الأيوبي عن ذلك: إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمَّن أذنب.
          أما معاملة الصليبيـون للأسرى، ومجـازر نصارى الأندلـس ضدَّ الأسـرى المسلـمين، والصهاينة والمعامـلة الوحشيـة للأسـرى، وإنـزال أشـدِّ أنـواع التعذيـب بالأسـرى العـراقيين كلها أمثلة على جـرائم ضـدّ الإنسانيَّـة تنتظـر المحاكمـة.


[1] (محمد: 4).
[2] (الإنسان: 8).
[3] الطبراني: المعجم الكبير، (977)، والمعجم الصغير، (409)، وقال الهيثمي: إسناده حسن، انظر: مجمع الزوائد، (10007).
[4] الشيباني: السير الكبير، 2/591.

معاملة الأسرى في الحضارات السابقة

منذ القدم وعلى مر التاريخ والأزمان تشتعل الحروب بين البشر، لم تهدأ ولم تفتر بل إن سنوات السلام التي عاشها العالم أقلُّ كثيرًا من سنوات الحرب، ومن الطبيعي أن يكون نتاج هذه الحروب قتلى وأسرى...
ومعاملة الأسرى تختلف من عصر إلى آخر، ومن شريعة إلى أخرى، فبعض الأمم كانت تفتك بالأسرى لإرهاب عدوها، ولم تعرف الأمم قانونًا لمعاملة الأسرى قبل الإسلام؛ الذي وضع شروطًا لمن يُؤسر؛ فلا يقع في الأسر إلا المحارب، وقد وضع فقهاء الإسلام أوصافًا لمن يجوز أسره، وشروطًا لوقوع الأَسْرِ، حتى أصبح له نظام وحدود معروفة مدوَّنة في الشريعة الإسلاميَّة قبل أن يعرفها فقه القانون الدُّوَلي الحديث بقرون، بل لما ظهرت تشريعات الأسرى في القانون الدُّوَلي كان للفقه الإسلامي نظرياته الخاصَّة به، والتي يلتقي بها القانون الدُّوَلي أحيانًا ويختلف عنها أحيانًا أخرى.
وقد شرع الله U الأَسْرَ فقال في كتابه: "حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[1]"، والحرب ضروريَّة للضرب على أيد المعتدين على الدولة الإسلاميَّة، والمتربِّصين بها، والأَسْرُ جزء من الحرب، ولم يترك الإسلام قضيَّة الأَسْرِ بدون نظام؛ بل وضع لها نظمًا وقوانين تنظِّم حقوق الأسير وكيفيَّة معاملته، وهذا ما نتعرَّض له في حديثنا عن حقوق الأسرى.
وقبل أن نخوض في غمار كيفيَّة معاملة الأسرى وحقوقهم؛ نُلقي نظرة على المعنى اللُّغوي للكلمة، الأَسير في اللغة: هو المسجون، والجمع أُسَراء وأُسارى وأَسارى وأَسرى[2]، وسُمِّيَ بذلك لأنه عادة ما يُقَيَّد بشيء من الجلد ونحوه من كل ما يُرْبَط به، ثم صار يُطلق على الشخص الذي يقع في يَدِ الأعداء سواء كان مقيَّدًا أو غير مقيَّد.

معاملة الأسرى في الحضارات السابقة
أصبحت قضيَّة الأسرى من القضايا المؤرِّقة لشعوب العالم الآن؛ وذلك لما يُلاقيه الأسير من البطش والعدوان ممن أَسَرُوه، ولا يخفى على أحد اليوم ما تفعله أمريكا في سجن أبو غريب وجونتناموا وغيرها من السجون، وهذا التعامل ناتج من قوانينهم التي وضعوها بأيدهم، والتي لا تحفظ لأحد حقَّه أو تؤمِّنه من العدوان على حرِّيَّاته، وبنظرة إلى الحضارات التي سبقت الإسلام نجد أنها سنَّت قوانين لمعاملة الأسرى، ولم تكن هناك حضارة من تلك الحضارات القديمة والحديثة أحسنت تعامل الأسرى كالإسلام، فقد وصل بهم الحدُّ إلى قتل الأسير، وتشويه جسده، وتعذيبه بالنار، وكل ذلك انتقامًا من الدولة المحاربة.
 
          حضارة الرومان
انقسم العالم قبل الإسلام إلى قوَّتين عظميين الفرس والروم، وكانت بينهما دائمًا حروب ومناورات، وكان طبيعيًّا أن يكون بينهما أسرى، ولكلٍّ من الدولتين قوانينُ في كيفيَّة معاملة الأسير، فكانت دولة الرومان تقتل الأسير حتى أواخر عهدها، ثم رأت بعد ذلك تشريع قوانينَ الهدف منها إبقاء الأسير حيًّا للاستفادة منه مع نزع كل حقوقه الإنسانيَّة، وربما يُسَخَّر للعمل في الأعمال الشاقَّة، والمهن الدنيَّة كما فعل الإسكندر في مصر إبَّان حروبه فيها.
ومن ذلك ما حدث - على سبيل المثال - في عهد الإمبراطور (فسبسيان)، حيث حاصر الرومانُ اليهودَ في القدس - وكان اليهود يُسَمُّونها أورشليم - لمدَّة خمسة أشهر، انتهت في سبتمبر سنة 70 ميلادية، ثم سقطت المدينة في أشدِّ هزيمة مَهِينة عرفها التاريخ؛ حيث أمر الرومان اليهودَ أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم، وقد استجاب اليهود لهم من شدَّة الرعب، وطمعًا في النجاة!! ثم بدأ الرومان يُجْرُون القُرْعَة بين كل يهوديَّيْن، ومن يفوز بالقُرْعَة يقوم بقتل صاحبه، حتى أُبِيد اليهود في القدس عن آخرهم، وسقطت دولتهم، ولم ينجُ منهم سوى الشريد، وأولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة!!
         
          حضارة الهند
وفي الهند كان الأسير يقع ضمن الطبقة الرابعة والأخيرة في تقسيم طبقات المجتمع عندهم، وهي طبقة شودر، وهم المنبوذون، ويعتبرونهم أَحَطَّ من البهائم، وأذلَّ من الكلاب، ويُصَرِّح القانون بأنه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة - طبقة الكهنة والحكام - دون أجر!! وكفَّارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة مثل كفارة قتل الشودر سواء بسواءٍ!!.
 
          حضارة الفرس
ولم يختلف الوضع في الفرس كثيرًا عن الرومان والهند، فقد نكَّل الفرس بأسراهم، وجعلوهم عرضة للتعذيب والإيذاء والاضطهاد والقتل، ولكن رأوا بعد ذلك أنه من الممكن استخدامهم، فعدلوا عن فكرة القتل واسترقُّوهم، وباعوهم رقيقًا بعد أن كانوا أحرارًا، واستخدموهم في الأعمال الشاقَّة الصعبة.
 
          اليهود ومعاملة الأسرى
أما الشريعة اليهوديَّة المحرَّفة فتُقَرِّر بتسخير الأسرى إن هم سَلَّموا بلادَهم بدون حرب، وإذا حدث وكانت الثانية، وقاوموا اليهود كان مصير الأسرى القتل، ومن ذلك ما ورد في سفر التثنية: حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفُتِحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا، وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَفَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَا، بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا[3].


[1] (محمد: 4).
[2] ابن منظور: لسان العرب، مادة (أسر).
[3] تثنية 20: 10 من موقع مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية، الرابط:
 http://www.asharqalarabi.org.uk/mushrakat/b-mushacat-166.htm

معاملة الأسرى في الإسلام

جاء الإسلام وغرضه إنصاف المظلوم، وهداية الضالِّ، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ونشر الرحمة والعدالة، فقد استطاع الإسلام نقل البشريَّة من التعامل الهمجي الذي كان يُلاقيه الأسير إلى وضع كله رحمة ورأفة به وبحاله، وكان للإسلام فضل السبق في ذلك؛ فقد حرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى فقال تعالى في كتابه العزيز: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[1]" وقال قتادة: لقد أمر الله بالأسرى أن يُحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك[2].
ووضع الإسلام تشريعات للأسرى، وفي الوقت الذي كان يُنَكَّل بالأسير في الأمم السابقة فقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحثُّ على معاملة الأسرى معاملة حسنة تليق به كإنسان، يقول الله تعالى في سورة الأنفال: "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[3]"، فإذا كان المولى سبحانه يَعِدُ الأسرى الذين في قلوبهم خيرٌ بالعفو والمغفرة، فإنَّ المسلمين لا يملكون بعد هذا إلا معاملتهم بأقصى درجة ممكنة من الرحمة والإنسانيَّة.
لقد قرَّر الإسلام بسماحته أنه يجب على المسلمين إطعام الأسير وعدم تجويعه، وأن يكون الطعام مماثلاً في الجودة والكَمِّيَّة لطعام المسلمين، أو أفضل منه إذا كان ذلك ممكنًا، استجابة لأمر الله تعالى في قوله في سورة الإنسان: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[4]"، وأوصى النبي r أصحابه بحُسن معاملة الأسرى فقال r: "اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا[5]، كما نهى النبي r عن تعذيب وامتهان الأسرى، فقد رأىr أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: "لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا"[6]."
وامتثل الصحابة y لقول النبي r فكانوا يحسنون إلى أسراهم، والفضل ما شهد به الأسرى أنفسهم، فيقول أبو عزيز بن عمير وكان في أسرى بدر: "كُنْتُ مَعَ رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ قَفَلُوا، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا طَعَامًا خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ؛ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ r إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ إلاَّ نَفَحَنِي بِهَا؛ قَالَ: فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا"[7]. والأمثلة في ذلك كثيرة ومتعدِّدة.


[1] (الإنسان: 8).
[2] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 19/126.
[3] (الأنفال: 70).
[4] (الإنسان: 8).
[5] الطبراني: المعجم الكبير، (977)، والمعجم الصغير،  (409)، وقال الهيثمي: إسناده حسن، انظر: مجمع الزوائد، (10007).
[6] الشيباني: السير الكبير، 2/591.
[7] الطبري: تاريخ الطبري، 2/39، ابن كثير: البداية والنهاية، 3/307، 374.

حقوق الأسرى في الإسلام

رغم أنَّ هؤلاء الأسرى ما هم إلا محاربون للإسلام ؛ إلا أن النبي r أمر بالإحسان إليهم، وتلك صورة الإسلام الحقيقية أمامهم، ويُدرِكون عندها أنه ما جاء إلا رحمة للعالمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يأمر الإسلام بالإحسان إلى الأسرى فقط، بل وضع أسسًا في كيفيَّة معاملة الأسرى، وقرَّر لهم واجبات وحقوقًا على المسلمين؛ منها الحقُّ في الطعام، والكسوة، والمعاملة الحسنة، وكلُّ ذلك له شواهد في سُنَّة النبي rوحضارة المسلمين.
 
          المعاملة الحسنة
أمر الإسلام بحُسن معاملة الأسرى والرفق بهم وعدم إيذائهم، أو التعرُّض لما يجرح كرامتهم، تعدت صور المعاملة الحسنة للأسرى فشملت العفو، أو المعالجة من الأمراض، أو غير ذلك من صور المعاملة الحسنة، مما دفع بعضهم إلى أن يعتنق الإسلام كثُمَامَةَ بن أُثَالٍ t، فقد رُوي أنرَسُولُ اللَّهِ r بَعَثَ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ سَيِّدِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ r، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، قَالَ لَهُ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ r، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: انْطَلِقُوا بِثُمَامَةَ. فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَوَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الأَدْيَانِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَإِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى. فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ"[1] لقد دفعت هذه المعاملة الحسنة ثُمَامة إلى الإسلام دفعًا قويًّا، ولو أنه رأى جفاء في المعاملة أو تعذيبًا ما فكَّر لحظة في أن يدخل في هذا الدين.
وأسلم كذلك الوليد بن أبي الوليد القرشي المخزومي الذي أُسِرَ في بدر، ورأى المعاملة الحسنة من النبي r وأصحابه؛ مع أنه قد قَدِمَ من مكة محارِبًا للمسلمين، فدفعته هذه المعاملة الحسنة إلى الإسلام، ولِصِدْقِ نيَّته أسلم بعد أن افتداه أهلُه من الأَسْرِ، حتى لا يُقال: إنه أسلم جزعًا من الأسر.
وقد بلغ أمر معاملة الأسرى إلى حد العفو عنهم، فيروى أن النبي r أعطى أسيرًا لأبي الهيثم بن التيهان وأوصاه به خيرًا فقال له: إن رسول الله rأوصاني بك خيرًا، فأنت حُرٌّ لوجه الله[2]. وفي رواية أخرى أنه قال له: أنت حرٌّ لوجه الله، ولك سهم من مالي[3].
وظلَّ الصحابة على هذه المعاملة الحسنة للأسرى حتى بعد وفاة النبي r فلم يُؤْثَر عنهم أنهم اضطهدوا أسيرًا أو آذَوْه أو عذَّبوه، حتى الهرمزان الذي نقض العهد مع المسلمين أكثر من مرَّة، كما قتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك، لما وقع في أيدي المسلمين أسيرًا لم يُعَذِّبوه ولم يضطهدوه ولم يُؤْذُوه جرَّاء ما فعله من جرائم في حقِّ المسلمين. وكذلك كان الحال مع كل الأسرى فلم يكن للأسرى غير المعاملة الحسنة، ولم يكن يعاملهم المسلمون بمثل معاملاتهم.
وكما أمر الإسلام بالمعاملة الحسنة للأسرى - ونهى عن تعذيبهم والإضرار بهم، ولقد وصل الأمر إلى أبعد من ذلك فعندما رأى النبي r أسرى بني قريظة في  الشمس نهى النبي r عن ذلك وقال لأصحابه: "لا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السِّلاحِ، قَيِّلُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا[4]."
بل إن شريعة الإسلام تَذْهَب إلى ما هو أبعدَ من ذلك، حيث تمنعُ تعذيب الأسير للإدلاء بمعلومات عن العدوِّ، وقد قيل للإمام مالك: أَيُعذَّبُ الأسيرُ إن رُجِيَ أن يدلَّ على عورة العدوِّ؟ قال: ما سمعت بذلك، وهذا ما أنكره النبي r على بعض الصحابة عندما ضربوا غلامين من قريش  وقعا أسيرين في أحداث بدر، فقال لهم r: "إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاللهِ إِنَّهُمَا لِقُرَيْشِ...". مع أن هذين الغلامين اللذين ضُرِبَا كانا يمدَّان الجيش المعادي بالماء[5].
 
أمَّا التعذيب المعروف في هذا العصر، ومنه ما جرى في جوانتنامو وفي سجن أبو غريب في العراق وتناقلته وسائل الإعلام، فهو أمر مرفوض ويتناقض مع جميع المبادئ الأخلاقيَّة والقيم الدينيَّة والمواثيق الدُّوَلِيَّة، وتنصُّ اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى على ما يلي: (يجب معاملة الأسرى معاملة إنسانيَّة في جميع الأوقات... وعلى الأخصِّ ضدَّ جميع أعمال العنف أو التهديد، ولهم الحقُّ في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، ويحتفظون بكامل أهليَّتهم المدنيَّة التي كانت لهم عند وقوع الأسر، ويجب أن تعامل النساء الأسيرات بكلِّ الاعتبار الواجب لجنسهنَّ)[6]. وهذا ما جاء به الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان.
 
          تقديم الأسير على النفس في الطعام
من الحقوق التي كفلها الإسلام للأسير حقُّ الطعام فلا يجوز تركه بدون طعام وشراب حتى يهلك، فهذا مخالف لشرع الله U، وفي السيرة النبويَّة والتاريخ الإسلامي أمثلة ونماذج تدلُّ على ذلك، ولقد أمر الله U بذلك فقال في كتابه: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[7]"، فإطعام الأسير المشرِك قُرْبَة إلى الله U[8]. وذكر أنَّ رسول الله r: أمر أصحابه يوم بدر أن يُكرِموا الأسرى، فكانوا يُقَدِّمونهم على أنفسهم عند الغداء[9].
ويقول الشيخ سلمان العودة[10]: معنى هذا أنه لم يُطْعِمْه مما فضل من قُوتِهِ، وإنما يُطْعِمه من طَيِّب طعامه مع حاجته إليه ومحبَّته له؛ ولذلك كان منع الطعام عن الأسير من الكبائر كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ ‏ ‏خَشَاشِ ‏‏الأَرْضِ[11]."
فلما كان الحبسُ مانعًا للمحبوس من التصرف في أمر معاشه وكسبه، وَجَبَ على حابسه أن يَقُومَ بِحَقِّه، ولو كانذلك في حقِّ الحيوان، فما بالك بالإنسـان الذي كرمه الله تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ[12]"، ويكفي أن الله I قرن حقَّ الأسير بالمسكين واليتيم، "مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[13]"، حثًّا على القيام على إطعامه والإحسان إليه،وقد يكون هذا الإحسان سببًا في هدايته، كما كان الأمر في شأن ثُمَامة t.
ولقد أوصى النبي r أصحابه بالأسرى فقال لهم: "اسْتَوْصُوا بِهِمْ – أَيْ بِالأَسْرَى - خَيْرًا[14]، فكان الصحابة y يُؤْثِرُونَ على أنفسهم ويُطْعِمُون الأسرى تنفيذًا لوصيَّة رسول الله r، وكذلك كان يفعل الصحابة من بعد النبي r، وحينما أراد الهرمزان أن يشرب وجيء له بقدح غليظ عافه ولم يشرب منه، فأمر سيدنا عمر بتغيير القدح[15]، فلم يُؤْثَرْ عن مسلم أنه ترك أسيرًا بدون طعام وشراب؛ بل إن صلاح الدين الأيوبي ناول أسيرًا من أسرى الصليبيين القدح الذي شرب منه ليشرب الأسير."
وبالرغم من أن إطعام أسرى الحرب أمر إنساني خالص، إلا أن الإسلام جعله عبادة يُؤْجَر عليه المرء، عندما قال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[16]".
 
          حق الأسير في الكسوة
ومن الواجبات التي قرَّرها الإسلام للأسرى الكسوة، ولقد حثَّ الإسلام على كسوة الأسير وتكون كسوة لائقة به تقيه حرَّ الصيف وبردَ الشتاء، والكساء عمومًا أمر واجب لستر العَوْرات، وعدم إشاعة الفاحشة فيالمجتمع، وأوجب الشرع كسوة الأسير وستر عورته، وقد عنون الإمام "البخاري" بابًاكاملاً أسماه (باب الكسوة للأسارى)، وهذا يدل على أهمِّيَّة هذا الأمر، وقد ثبت عن رسول الله r من حديث جابر t أنه لما كان يوم بدر أُتِيَ بالأسارى، وأُتِي بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر رسول الله r فوجد قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه إياه، كما ورد أنه u كسا بعض الأسرى من ملابسه[17].
         
          الحرية الدينيَّة للأسير
من الحقوق التي قرَّرها الإسلام للأسير حقُّه في ممارسة شعائر دينه خلال مدَّة أسره، ولا يُجْبَرُ الأسير على اعتناق الإسلام، ولم يُعْرَف عن النبيr أنه أجبر أسيرًا على اعتناق الإسلام؛ بل إن بعض الأسرى لما رأَوْا تلك المعاملة من رسول الله r دفعهم ذلك إلى اعتناق الإسلام، وكان ذلك بعد إطلاق سراحهم، كما فعل ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فبعد أن أمر النبي r بإطلاق سراح ثُمَامة, ذهب ليغتسل ويُسْلِمَ، وكذلك فعل الوليد بن أبي الوليد بعد أن افتداه أهله من رسول الله r أسلم، فقيل له: لماذا أسلمت بعد الفداء؟ فقال: حتى لا يظنَّ أحد أنما أسلمتُ من عَجْزِ الأسر.
ومن ذلك أيضًا ما فعله النبي r مع غَوْرَثِ بْنِ الحارث الذي استلَّ سيف النبي من الشجرة، وقال له: من يمنعك مني؟ وعندما وقع السيف من الرجل وأصبح في يد رسول الله لم يجبره النبي r على الدخول في الإسلام، بل تركه حرًّا طليقًا بعد أن أصفح عنه[18]، أمَّا إذا نظرنا إلى ما حدث من الأسبان عند دخولهم الأندلس، نجد أنهم فعلوا عكس ما فعله رسول الله r، فقد عَمِدوا إلى المسلمين فعذَّبوهم واضطهدوهم؛ لتغيير دينهم وعقيدتهم.
 
          مصـير الأســرى
الحكم الأصلي في مصير الأسرى يُقرِّره القرآن الكريم بقوله تعالى: "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[19]" حول هذه الآية الكريمة نذكر المسائل التالية:
          المسألة الأولى
يقول بعض العلماء أنَّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ[20]"، ويقول آخرون أنها ناسخة. وقد ذكر الطبري هذه الأقوال ثمَّ ردَّها جميعًا بقوله: والصواب من القول عندنا في ذلك أنَّ الآية محكمة غير منسوخة. واستدلَّ على ذلك بفعل رسول الله r، فيمن صار أسيرًا بيده من أهل الحرب فيقتل بعضًا ويفادي بعضًا ويمنُّ على بعض[21].
كما ذكر القرطبي الأقوال المختلفة، واختار أنَّ الآية محكمة واستدلَّ على ذلك كما فعل الطبري، بفعل رسول الله r الثابت في الصحيح، وأنَّ النسخ إنما يكون لشيء قاطع، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للنسخ[22].
          المسألة الثانية
هذه الآية الكريمة تُحَدِّد الحكم الأصلي في مصير الأسرى وهو أحد أمرين:
المنُّ عليهم: أي إطلاقهم بغير مقابل، وجواز المنِّ على الأسرى هو مذهب الجمهور من المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة وغيرهم، واستدلُّوا بما ثبت في سيرته أنه منَّ على أبي العاص بن الربيع والمطلَّب بن حنطب، وصَيْفِيِّ بن أبي رفاعة، وأبي عزَّة الجهمي الشاعر، وهم من أسرى بدر، كما منَّ على ثُمَامَة بن أُثَال سيِّد أهل اليمامة، ومنَّ على ثمانين أسيرًا من المشركين.
الفداء أي إطلاقهم في مقابل فدية يُقدِّمونها للمسلمين، والفدية قد تكون مالاً، والفداء بالمال هو مذهب جمهور الفقهاء من الشافعيَّة والحنابلة والمالكيَّة ومحمد بن الحسن من الحنفية، واستدلُّوا على ذلك بفداء رسول الله r لأسرى بدر بالمال وكانوا سبعين رجلاً، وقد تكون الفدية إطلاق سراح أسرى المسلمين عندهم، وهذا هو المعروف بتبادل الأسرى، فقد فادى رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عُقَيْلٍ، ورُوِيَ أن الرسول r فادى بالمرأة التي استوهبها من سلمة بن الأكوع ناسًا من المسلمين كانوا قد أُسِرُوا بمكَّة[23]
وقد ثبت أنَّ النبي r فادى بعض أسرى بدر على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة[24].
          المسألة الثالثة
أضاف الفقهاء إلى الخيارَيْن المذكورَيْن في الآية الكريمة - المنِّ والفداء - ثلاثة خيارات أخرى وهي:
          1- القتـل
فقد ثبت أنَّ رسول الله r قتل بعض الأسرى، منهم عقبة بن أبي مُعَيْط، وطُعَيْمَة بن عدي، والنضر بن الحارث، وهم من أسرى بدر، وجواز قتل الأسير هو مذهب جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، لكنَّهم يجعلونه خيارًا مرتبطًا بالمصلحة وجوبًا[25]، فإذا كانت المصلحة تقضي بعدم قتلهم، فلا يجوز في هذه الحال أن يُحْكَمَ عليهم بالقتل، كما إنه إذا ارتبط المسلمون بمعاهدات دُوَلِيَّة تمنع قتل الأسرى فيجب عليهم الوفاء بها، ولا يجوز في هذه الحالة قتل الأسير.
لكن ذكر ابن رشد في (بداية المجتهد): (وقال قوم لا يجوز قتل الأسير، وحكى الحسن بن محمد التميمي أنه إجماع الصحابة)[26].
والذي نراه هنا أنَّ قتل الأسير لمجرَّد أنه أسير غير جائز أصلاً؛ استنادًا إلى الآية الكريمة التي حصرت مصير الأسير بالمنِّ أو الفداء، لكنَّه يصير جائزًا إذا وُجِد في أسير مُعَيَّن أسباب أخرى تُبيح قتله، فهو عند ذلك يُقتل لهذه الأسباب وليس للأسر، وهذا ما يُفَسِّر كلَّ الحوادث التي قضى فيها رسول الله r بقتل بعض الأسرى، فأبو عزَّة الجمحي استحقَّ القتل في أسرى أُحُدٍ؛ لأنَّه عاهد ونقض العهد.
وأسرى بنو قُرَيْظَة استحقُّوا القتل؛ لأنهم عاهدوا المسلمين على القتال معهم ضدَّ كلِّ عدوٍّ خارجيٍّ، فلمَّا جاء المشركون وحاصروا المدينة فيغزوة الأحزاب نقضوا عهدهم وانضمُّوا إليهم، وقد كان هذا الغدر كفيلاً بالقضاء على الإسلام وإبادة المسلمين لولا أنَّ رعاية الله حفظتهم. وأسرى بدر الذين قتلهم رسول الله r - وهم عقبة بن أبي مُعَيْطٍ، والنضر بن الحارث، وطُعَيْمَةُ بن عدي - كانوا قد قاموا بإيذاء المسلمين وتعذيبهم وتعريضهم للموت.
ولذلك نقول: إنَّ بعض الأسرى الذين يُعتبَرون في المعاهدات الدُّوَلِيَّة الحديثة مجرمي حرب، لتسبُّبهم بقتل الأبرياء يجب أن يُقَدَّموا للمحاكمة، ويمكن أن يُحكم عليهم بالقتل أو بأي عقوبة أخرى، لكن لا يجوز لكلِّ مَنْ أَمْسَكَ بأسير أن يَقتله، فذلك مخالف لصريح النصِّ القرآني، وللمعاهدات الدُّوَلِيَّة المعاصرة.
          2- عقد الذمَّة
إذا طلب الأسير أن يكون من رعايا الدولة الإسلاميَّة، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويخضع لنظام هذه الدولة مع الاحتفاظ بحقوقه الشخصيَّة في العقيدة والعبادة، وهذا ما يُسَمَّى عقد الذِّمَّة، فقد اتَّفق الفقهاء من جميع المذاهب على حقِّ السلطة في منحه عقد الذمَّة، لكن بعض الشافعيَّة لم يَتْرُكُوا للإمامِ الحقَّ في ذلك، بَلْ أوجَبُوا عليه قَبول عقد الذمَّة إذا طلبه الأسير، وحرَّموا قتله في هذه الحالة.
إنَّ المعاهدات الدُّوَلِيَّة المتعلِّقة بهذا الموضوع - وخاصة اتِّفاقيَّة جنيف - لم تُشِر إلى مثل هذه الحالة، كما أنَّ جميع قوانين الدول لا تشير إليها، وهذا يؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ أنَّ الدولة الإسلاميَّة، دولة مفتوحة لجميع بني البشر، وأنها تَستقبِل أي إنسان يرغب في أن يكتسب جنسيتها ويلتزم بقوانينها، مع حقِّه في البقاء على دينه، ودون أن تُلْزِمَه باعتناق الإسلام، كما يُؤَكِّد أنَّ هذه الدولة سبقت بهذا الموقف جميع دول العالم على الإطلاق، وهي التي لم تصل إليه حتى الآن.
          3- الاسترقاق
وهو الخيار الأخير الذي أشار إليه الفقهاء من ضمن خيارات الإمام في تحديد مصير الأسرى مسألة نظريَّة خالصة، وذلك بعد اتِّفاق دول العالم قاطبة على إلغاء الرقِّ وتجارة الرقيق خاصَّة في اتِّفاقيَّة جنيف في 7سبتمبر 1965م، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الإسلام يُرَحِّب بمثل هذه الاتِّفاقات الدُّوَلِيَّة باعتبارها تُعَبِّر عن مبادئه الأساسيَّة التي تجعل البشر جميعًا عبادًا لله، وتدعو إلى المساواة بينهم؛ لقوله r: "كُلُّكُمْ لآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ[27]."
 
          كيـف يُعامـَل الأسـيرُ المسلـم؟.
إذا وقع قتال بين طائفتين من المسلمين في دولة واحدة أو دولتين إسلاميَّتَيْنِ، أو بين دولة ومتمرِّدين عليها من رعاياها، يقول تعالى آمرًا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعض: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا[28]"، فسمَّاهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومَن تابعهم من المعتزلة ونحوهم[29]. وبذلك نجد صريح الآية يرشد إلى وجوب الإصلاح بين الأطراف المتخاصمة أو المتقاتلة، وعلى أساس من العدل بين المتنازعين، فإن رفضت إحدى الأطراف المتنازعة الرجوع إلى حكم الله والرضا بما ارشد إليه ودلَّ عليه كتاب الله، وأجابت الفرقة الأخرى بذلك، فإنه يتعيَّن على باقي الأمَّة المؤمنة أن تواجه الفرقة التي أَبَت الرجوع إلى العدل والإنصاف، وتُقَاتِلَهَا حتى ترجع إلى الحقِّ الذي هو الرضا بكتاب الله وسُنَّة رسوله r، فإذا رجعت الفرقة الباغية عن قتالها، وارْتَضَت الصلح، وجب الإصلاح بالعدل والإنصاف بين الفريقين، وكفّ القتال، هذا يعني وجوب الصلح بين أهل العدل والبغي.
وقد اتَّفق الفقهاء على حرمة قَتْلِ مُدْبِرِهم وجريحهم، وأنه لا يغنم لهم مال، ولا تُسْبَى لهم ذرِّيَّة؛ لأنهم لم يَكْفُروا ببغيهم ولا قتالهم، وعصمة الأموال تابعة لدينهم، ومَنْ قُتِلَ منهم غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه.


[1] البخاري: كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، (4114).
[2] الطبراني: المعجم الكبير، (569).
[3] البيهقي: شعب الإيمان، (4606).
[4] سبق تخريجه.
[5] السهيلي: الروض الأنف، 3/58، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 4/ 68.
[6] موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الرابط: http://www.icrc.org/web/ara/siteara0.nsf/html/5NWHLH
[7] (الإنسان: 8).
[8] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 19/ 114.
[9] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 4/ 584.
[10]الشيخ سلمان العودة: مقال من للأسرى، موقع الإسلام اليوم، الرابط:
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=64&catid=38&artid=1245  
[11] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، (3140). ومسلم: كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، (2242).
[12] (الإسراء: 70).
[13] (الإنسان: 8).
[14] الطبراني: المعجم الكبير، (977)، والمعجم الصغير،  (409)، وقال الهيثمي: إسناده حسن، انظر: مجمع الزوائد، (10007).
[15] الطبري: تاريخ الطبري، 3/184، ابن كثير: البداية والنهاية، 7/100،101 .
[16] (الإنسان: 8).
[17] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب كسوة الأسارى، (2846).
[18] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، (3906).
[19] (محمد: 4).
[20] (التوبة: 5).
[21] الطبري: تفسير الطبري، 11/ 305 .
[22] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 16/ 192.
[23] أحمد: كتاب أول مسند المدنيين، بقية حديث بن الأكوع في المضاف من الأصل، (16585).
[24] ابن كثير: البداية والنهاية، 3/ 397 .
[25] انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، موقع وزارة الأوقاف المصرية، الرابط:            http://www.islamic-council.com
[26] ابن رشد: بداية المجتهد، 1/ 306.
[27] السهيلي: الروض الأنف، 1/31، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 7/387 .
[28] (الحجرات: 9).
[29] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 4/269.

صـور مضيئــة لمعاملـة للأسـري

الدارس للتاريخ الإسلامي يجد صورًا مضيئة في كيفيَّة معاملة الأسرى، ومن النماذج الطيِّبة في معاملة الأسرى ما كان بين صلاح الدين الأيوبي وبين أسرى الصليبيين الذين جاءوا من أوروبا فاحتلُّوا بلاد المسلمين، وقتلوا كثيرًا من المسلمين، فلم يعاملهم صلاح الدين بمثل معاملاتهم بل عفا عن كثير منهم وصفح، بل مَنَّ على كثير منهم بدون مال يدفعونه، وإليك ما حدث: فلقد طلب العادل من أخيه صلاح الدين إطلاق سراح ألف أسير من الفقراء على سبيل المكافأة عن خدماته له، مُظْهِرًا بذلك تسامُحًا كبيرًا فوهبهم له صلاح الدين، بل إن بطريرك النصارى طلب من صلاح الدين الأيوبي أن يهبه بعض الفقراء من أسرى الصليبيين ليُطْلِقَ سراحهم، ومع أنه من المخالفين لديننا إلا أن صلاح الدين - صاحِبَ المعاملة الحسنة والقلب الرحيم الذي رُوِيَ بالإيمان، وصاحِب السلوك القويم مقتديًا بهذه المعاملة من رسول الله r - وَهَبَ البطريرك بعض الفقراء ليُطْلِقَ سراحهم، كما وهب "باليان" خمسمائة أسير، ثم أعلن أنه سوف يطلق سراح كل شيخ، وكل امرأة عجوز، كما ذهب بعيدًا حين وعد هؤلاء النسوة بأن يطلق سراح كل مَن في الأسر من أزواجهن، ومنح الأرامل واليتامى العطايا من خزائنه كل واحد بحسب حالته.
والواقع أن عطف صلاح الدين وسماحته كانت على نقيض أفعال الصليبيين في حروبهم مع المسلمين، ومع ذلك فقد وصل عدد الأسرى الذين استُرِقُّوا بسبب عجزهم عن دفع المال المقرَّر عليهم إلى حوالي ستة عشر ألف أسير.
ولقد شهد المستشرقون وغيرهم بمعاملة صلاح الدين الأيوبي للأسرى، فقال المستشرق رنسيمان: وهكذا، ففي مشارف حِطِّين، وعلى أبواب بيت المقدس انتقم صلاح الدين من الصليبيين بطريقته الخاصَّة، لِمَا حدث من الصليبيين في الحملة الأولى من المهانة والإذلال والمجازر، وأظهر كيف يحتفل القائد الشريف بانتصاره، وأثبت بالدليل القاطع ما لدى الشرق من قوَّة ورُوح كامنة مبرهنًا على أنه كان أعظم شهم، ذا قلب كبير كفاتح في زمانه، أو في أي عصر آخر.
ورتَّب صلاح الدين أمر ترحيل الذين افتدوا أنفسهم إلى "صور[1]"، فجمعهم خارج المدينة تحت حراسة مشدَّدة، وقسمهم إلى ثلاث مجموعات، وأرسلهم مخفورين؛ خشية أن يتعرَّضوا لهجمات البدو في الطريق.
 
          لماذا لا تنتقم من أعدائك؟!
بينما كان صلاح الدين سائرًا ذات يوم في بعض طرق مدينة بيت المقدس قابله شيخ من النصارى كبير السن، يعلِّق صليبًا ذهبيًّا في رقبته، وقال له: أيها القائد العظيم، لقد كُتِبَ لك النصرُ على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟ فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزَوْا بيت المقدس؟ فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ، يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويُحَرِّم عليَّ قتل الأطفال والشيوخ والنساء. فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم، إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمَّن أذنب. فقال الشيخ: نِعْمَ الدين دينكم، وإني أحمد الله على أن هداني في أيامي الأخيرة إلى الدين الحقِّ. ثم سأل: وماذا يفعل مَن يُريد الدخول في دينكم؟ فأجابه صلاح الدين: يُؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمدًا r عبده ورسوله، ويفعل ما أمر الله به، ويبتعد عما نهى الله عنه. وأسلم الرجل وحَسُن إسلامه، وأسلم معه كثير من أبناء قومه.


[1] مدينة بينها وبين عكة ستة فراسخ من جهة الشرق.

معامـلة الأســرى عند غير المسلمين

الصليبيـون
إن تاريخ غير المسلمين في التعامل مع الأسرى مليء بأبشع الجرائم التي يخجل الإنسان الكريم عند ذكرها، يقول ابن كثير: "استولى الفرنج لعنهم الله على قلعة الداروم فخرَّبوها، وقتلوا خلقًا كثيرًا من أهلها، وأسروا طائفة من الذرِّيَّة، فإنا لله وإنا إليه راجعون"[1].
وعندما وصل الصليبيون إلى أنطاكية، أَلْقَوْا عليها الحصار، ودخلوها عَنوة سنة 491هـ بعد حصار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف، ومثَّلوا بالقتلى، وفعلوا أبشع الجرائم، وقد استقبلهم النصارى من أهلها والأرمن بكل ترحاب، ثم اتجهوا بعد ذلك نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا مَعَرَّة النعمان، ووصلوا إلى بيت المقدس، ودخلوها عام 492هـ فقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفا، وخاضت خيولهم ببحر من الدماء.
 
          مجـازر نصارى الأندلـس ضدَّ الأسـرى المسلـمين
عندما ضعفت الدولة الإسلاميَّة في الأندلس، وأخذت في التراجع ؛ حيث سادت صفوفَ المسلمين الفُرْقَةُ والانقسام، وأنهكتهم الصراعات الداخليَّة، فاغتنمت الممالك الأوروبيَّة المحيطة تلك الأوضاع، وأخذت تحتلُّ مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، إلى أن سَلَّمَ السلطان أبو عبد الله ابن الأحمر غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس إلى ملكي قشتالة وآرغون الزوجين فرديناند وإيزابيللا، اللذين أطلقت عليهما الكنيسة اسم الملكين الكاثوليكيين, لإخلاصهما الديني ولدورهما في رعاية الكثلكة في إسبانيا, ولا سيما إصدار القوانين المناوئة للإسلام، وإنشاء محاكم التفتيش الإسبانيَّة بمباركة الكنيسة وتشجيعها؛ لتستأصل المسلمين من إسبانيا.
         
          الصهاينة والمعامـلة الوحشيـة للأسـرى.
تشهد السجون الصهيونية حالات تعذيب منظمة وممنهجة ضدَّ الأسرى الفلسطينيين، دون أن يطالب أحد بإغلاق هذه السجون، التي باتت مقابر لأكثر من 9300 أسيرًا فلسطينيًّا، موزَّعِينَ على 28 سجنًا ومركز توقيف، حيث يعيشون شروطًا حياتيَّة قاسية وظروفًا لا إنسانيَّة وأوضاعًا مزرية لا تُطَاق.
 
          تعذيـب بـلا حـدود !!!
وتستخدم إسرائيل العشرات من أساليب التعذيب المحرمة الجسديَّة والنفسيَّة حيث تطال كل أسير فلسطيني، وغالبًا ما يتعرَّض الأسير لأكثر من أسلوب من أساليب التعذيب التي فاق عددها 80 أسلوبًا.
ومن أساليب التعذيب وضع الأسير في ثلاجة، وهي عبارة عن مكان ضيِّق جدًّا مساحته نصف متر مربَّع فقط، يتمُّ وضع الأسير فيه، وهو مكبَّل اليدين إلى الخلف، ويتمُّ ضخُّ هواء بارد جدًّا من فتحة أعلى هذا المكان بحيث تكون درجة الحرارة في الداخل صفر، ممَّا يُؤَدِّي إلى تجمُّد المعتَقَل داخل الثلاجة ويستمرُّ وضعه في الثلاجة أحيانًا لعدَّة ساعات، وقد تمَّ استخدام هذا الأسلوب مع 68% من الأسرى الفلسطينيين.
         
          الـولايات المتحـدة الأمريكيـة وتعذيـب الأسـرى.
كلُّنا يعلم كيف تعامل أمريكا أولئك الأسرى, فليس هناك ما يتردَّد بما يُسَمَّى حقوق إنسان, علمًا بأن الغالبيَّة العظمى منهم لا عَلاقة لهم بالتُّهم الموجَّهة ضدَّهم, بل هناك أسرى لم يتمَّ حتى مجرد توجيه تهمة لهم، كما لا ننسى سؤالاً هامًّا وهو أن الأسير - المقاتل في أرض المعركة - لا تُهْمَةَ له، فهو كان من وجهة نظره يُدافع عن حكومته أو بلاده من الاعتداء الخارجي، ولكنه وقع في الأَسْرِ فأية تهمة تُوَجَّهُ له؟ وهذا ما يجعلنا نكرِّر السؤال, لماذا تَضِيقُ الدول الديمقراطيَّة ذرعًا بحقوق الإنسان عندما يكون من العرب والمسلمين؟   
         
          إنـزال أشـدِّ أنـواع التعذيـب بالأسـرى العـراقيين
 اعتقلت قوَّات الاحتلال الأمريكي أستاذًا جامعيًّا بسجن أبي غريب لمدَّة أسبوعين، حيث قال: "كانوا يعاملوننا كالكلاب الضالَّة، يرمون إلينا الطعام بكل احتقار، كانوا يُكْرِمون كلابهم ويُدَلِّلونها ويطعمونها بأيديهم، أما نحن فلا نستحقُّ، فنحن إرهابيُّون، حسب اتهامهم".
وأضاف الأستاذ الجامعي قائلاً: "عرفنا في تلك السجون كيف يكون القهر وسلب الإنسان أبسط حقوقه، ومَنْ يَجْرُؤْ أو يتكلَّمْ يُكَمِّم الجنود الأمريكيُّون فمه بقطعة قماش يأتون بها من تحت أرجل كلابهم.
 
          جوانتانامو.. جـريمة ضـدّ الإنسانيَّـة تنتظـر المحاكمـة
لم تكتفِ حكومة جورج بوش الابن بالجرائم التي ترتكبها ضدَّ الشعب العراقي، ولم تكتفِ بالفضيحة الكبرى الخاصَّة بسجن أبي غريب، ولم تكتفِ بفضيحة إرسال معتقَلِينَ لدول في العالم الثالث - من بينها مصر - لتقوم أجهزة الأمن في هذه الدول بتعذيب هؤلاء المعتقَلِينَ نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وما يحدث في معسكرات الاعتقال في جوانتانامو لهو دليل جديد على تلطُّخ الإدارة الأمريكيَّة بالدماء، فهؤلاء المعتقلين يُلاقون أبشع أنواع التنكيل والتعذيب؛ مما دفع العديد من المعتقلين إلى الإقدام على الانتحار.
وشهـد شاهـد من أهـلها: محاكم جوانتانامو العسكريَّة غير قانونيَّة ومخالفة للدستور!
قالت قاضية فدراليَّة أمريكيَّة: إن المحاكم العسكريَّة في جوانتانامو، غير قانونيَّة ومخالفة للدستور الأمريكي، وإن للسجناء في هذه القاعدة الأمريكيَّة حقوقًا يصونها الدستور الأمريكي. وقالت القاضية جويس هانس جرين: إن المحاكم التي تنظر بوضع عدوٍّ مقاتل غير دستوريَّة.
تلك هي معاملة غير المسلمين من الصليبيين واليهود والشيوعيين ومَن لا دين لهم للأسرى، معاملة تقشعر لها الأبدان، ويَشِيب لها الولدان، وتضع لها ذات الحمل حملها، وبعد ذلك يُلْصِقُون التُّهَمَ الكاذبة لهذا الدين الطاهر بأنه دين القسوة والعنف والإرهاب !!
أصبح المجني عليه هو الجاني، والجلاد هو القاضي، والغثُّ هو السمين!!


[1] ابن كثير: البداية والنهاية، 12/ 423.

من أهم مصادر الدراسة

لسان العرب - دراسات في الحضارة الإسلامية: شوكت عليان - موقع إسلام أون لاين- تفسير ابن كثير - مسند أحمد - إسلام سلكت - السنن الكبرى للبيهقي - تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام والجزيرة محمد سهيل طقوش - الكامل في التاريخ - موقع مجلة المعلم - التاريخ الإسلامي - محمود شاكر - موقع الجزيرة - أسرى الحرب الدكتور عبد الواحد الفار- بلادنا فلسطين الدباغ - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - موقع الإسلام اليوم مقال من للأسرى بقلم الشيخ سلمان العودة - ابن هشام: السيرة النبوية - سبل الهدى والرشاد الصالحي الشامي - الروض الأنف السهيلي - التاج والإكليل محمد بن يوسف المواق.